Posted by : Unknown الاثنين، 23 مارس 2015

حينما نتحدث عن الحركة النسائية في المغرب، فنحن نتحدث عن إطار فضفاض، يتسع بشموله لأطياف سياسية وفكرية ونخبوية، تتباين في مطالب وتتوافق على أخرى، وتبعا لذلك تختلف في الرؤى والبرامج والإستراتيجيات، وهذا التوصيف العام يعتبر المفتاح الأساس لفهم: "هوية " هذه الحركة كمصطلح متداول اليوم في البحوث والتقارير اليومية،  فهي ليست حزبا موحدا، ولا تنظيما متماسكا، ولا حركة ولا منظمة، وإنما هي عنوان لإطارات مختلفة، تتمحور كلها حول قضية المرأة المغربية.
هذا المفتاح له أهمية كبيرة في كل تحليل أو قراءة تخص هذا الموضوع، فحينما نطالع الأبحاث والتقارير المحلية والعالمية عنه، أو نقرأ يوميا في الصحف أخبار "الحركة النسائية المغربية" ومطالبها، ونشاطاتها، فليس بالضرورة أن العنوان يعكس كل الأطياف المكونة لها، أو حتى أغلبيتها. فقد يكون ببساطة تعبيرا عن اتجاهات معينة يسارية أو ليبرالية، أو حتى إسلامية تجعل من عنوان: الحركة النسائية" إيحاءً تغريريا يوحي بأن هذا ما تجمع عليه نساء المغرب الآن، أو تجمع عليها المكونات النسائية كلها. بينما ليس الأمر بالضرورة كذلك. وفي ثنايا المقال - في جزئه الثاني - توصيف بأمثلة حية على هذا الأمر الذي يبقى الاستقطاب السياسي، وتوظيف سلاح الإيحاء الإعلامي هو الدافع لوجوده.
ذلك أن الحركة النسائية في المغرب  تتكون من تيارات فكرية، منها ما يقتصر على العمل الجمعوي، ومنها ما يتجاوز ذلك إلى ما هو سياسي وتتمثل في ثلاثة اتجاهات رئيسة هي:
الأول: الاتجاه العلماني.
الثاني: الاتجاه الإسلامي.
الثالث: الاتجاه التوفيقي: أو ما يطلق عليه "اتجاه الطريق الثالث".
أولا: الاتجاه العلماني في الحركة النسائية المغربية:
فالاتجاه الأول: (العلماني) هو الاتجاه الذي يتبنى العلمانية كفكر، ينتهجه في عملية التغيير ومحدداته وثوابته، ومن تم سقف المطالب وطبيعة البرامج، وهنا نتحدث تحديدا عن اتجاهين أسياسين في المغرب، هو الاتجاه الاشتراكي والليبرالي. فهذان الاتجاهان شكلا فيما بعد الخمسينات اللبنات الأولى للحركة النسائية، واستفردا لوقت طويل بالساحة الفكرية والسياسية، على حين غفلة من الاتجاه الإسلامي، وحتى الوطني المحافظ. واستفادا من حالة الفراغ التي أحدثها الاستعمار، وكذلك من المناخ العام الذي خلفه لتفريخ الليبرالية والاشتراكية معا، فنشأة النسوية  بمفهومها الغربي كانت من أهم إفرازات الاستعمار الفرنسي. وكانت النشأة من رحم الأحزاب تحديدا، فبقيت الحركة النسائية حزبية في نشأتها وأهدافها حتى فترة الثمانينات، حيث اتجهت إلى الاستقلال عن الحزب دون الاستقلال عن الخلفيات العلمانية والبرامج التي تدعم الحزب عن بعد، والذي يشكل هو الآخر قوتها الضاربة في تمرير البرامج والمطالب من خلال العمل السياسي. فبقيت تلك الحركات تحظى باستقلالية القرار والتخطيط والقيادة، ومرتبطة في الوقت ذاته مع التوجهات الفكرية والسياسية للأحزاب، من خلال تقاطع المصالح أو من خلال تأثير قياداتها المنتمية إلى الأحزاب. ومع أن هناك اتجاها ليبراليا نسائيا يسود الحركة النسائية العلمانية، إلا أن الجمعيات النسائية ذات المرجعية اليسارية الاشتراكية هي الناشطة والمهيمنة على الساحة منذ الاستقلال حتى السنين المتأخرة، وتتجمع هذه الجمعيات في لوبيات عبارة عن تنسيقيات وتحالفات تجمعها في مطالب ومناسبات عديدة، ويقابلها في القوة الاتجاه الإسلامي في هيئاته النسائية وائتلافاته، وهذا ما تناولته بعض الدراسات الحديثة بهذا الخصوص ففي كتابها: "الحركة النسائية في المغرب المعاصر" (1) قسمت الباحثة جميلة المصلي كتابها إلى ثلاثة أبواب، تطرقت في الأول إلى عوامل النشأة، بينما جعلت الباب الثاني للحديث عن الاتجاه اليساري فيالحركة النسائية المغربية، والباب الثالث عن الاتجاه الإسلامي في هذه الحركة.
هذا التقسيم يعطي إيحاء بالمكونات الفكرية الرئيسة للحركة النسائية، كما يعطي إيحاء بتاريخ هذه الحركة وأن الاتجاه اليساري فعلا ظل مهيمنا على مقاليدها بشكل نسبي إلى حدود الثمانينات، حين بدأ العمل الإسلامي يرسخ جذوره الحزبية والنقابية والجمعوية، وفي ثناياه عمل نسائي تحول شيئا فشيئا إلى فاعل قوي في الحركة النسائية المغربية.
هذا لا يعني ألا وجود لتيارات أخرى محافظة، وأقرب إلى الليبرالية  أو حتى ليبرالية صرفة، لها تمثيلها ووجودها في الحركة، لكن مع وجودها ظلت لفترة طويلة نخبوية، أو اقتصرت في برامجها على الخدمات الاجتماعية والفكرية والتوعوية، كما ظلت مرتبطة بالعمل الحزبي وخدمة شعاراته وبرامجه، كحزب الاستقلال، وبقية الأحزاب الوطنية الأخرى مثلا، وكانت أكثر وعيا من الاتجاهات اليسارية بأهمية الدين الإسلامي بالنسبة للمغاربة.
والسبب في أن الاتجاه اليساري ظل يمثل عصب الحركة النسائية، هو ارتباطه بالنزعة الثورية لليسار الاشتراكي المغربي بكل مدارسه "الشيوعية والاشتراكية"، وهو ما جعل عمقه الفكري المرتبط "بالنسوية الغربية بنكهة فلسفة كارل ماركس"، وكذلك عمقه السياسي المنطلق من الأفكار الثورية (في الفترة السوفياتية وتنامي المد الشيوعي في المنطقة المغاربية)، يعطي للعمل السياسي أولوية أكثر في ظل الأحزاب والنقابات والمنظمات وعلى رأسها الطلابية (الاتحاد الوطني لطبة المغرب). فنشأ عن ذلك ولادة قيادات نسائية مؤطرة ومدربة على الحديث والكتابة والممارسة السياسية والنقابية (وإن كانت مهمشة في واقع الممارسة أنذاك) بل نشأت مدارس تتخرج منها أجيال من المناضلات اليساريات.
 وفي أواخر السبعينات حين تبنى اليسار المغربي العمل الديمقراطي، تشكلت في سياق ذلك الأذرع النسائية، وانطلقت بنشاطاتها في العمل الجمعوي، وبقيت مهيمنة على المسرح الفكري والجمعوي  باستقلال عن الأحزاب، وفي مطلع الألفية، وبعد هيمنة النظام العالمي الجديد، وتنامي "مشروع حرب الأفكار بمبادرة أمريكية، ظهرت النزعة الليبرالية في الحركة النسائية من جديد، بدعم المؤسسات النسوية الدولية، في مناخ عالمي أعطى دفعة غير مسبوقة لبروز ما أطلق عليه بـ "النيوليبرالية " فأصبح الاتجاه العلماني في الحركة ممثلا بالاتجاهين اليساري والليبرالي على شكل ائتلافات وتنسيقات حركية، تجمعهما مطالب النسوية والنسائية معا، وإن افترقا في الأديولوجيا الفكرية.
ومن بين الاتحادات والجمعيات التي تمثل هذا التيار على سبيل المثال لا الحصر:
-    اتحاد العمل النسائي تأسس سنة 1987م، وخرج من رحم مجموعة 8 مارس النسائية اليسارية المنضوية تحت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وهذا الاتحاد كان السباق إلى المطالبة بتعديلات على مدونة الأحوال الشخصية  (مدونة الأسرة حاليا) في عريضة شملت مطالب جريئة، تجاوزت الثوابت الدينية كما قيل وقتها، وحاولت تمريرها بالتوافق مع المكونات النسائية الأخرى، وكان من بين المطالب التي نسبت إلى هذا الاتحاد: مطلب المساواة في الإرث، وهو ما جعل مطالبها تصنف تصنيفا سيئا، واضطرها إلى التملص، ونفي بعض المطالب كمطلب المساواة في الإرث.
-    الاتحاد التقدمي النسائي المنضوي تحت الاتحاد المغربي للشغل وهو اتحاد يساري.
ومن بين التحالفات النسوية  التي تمثل لوبي ضاغط في مسار الحركة النسائية:
-    "مجموعة ربيع المساواة النسائية"  ويضم مؤسسات وجمعيات يسارية عديدة، ففي حوار أجرته جريدة لوموند الفرنسية، صرحت إحدى القيادات في هذا الاتحاد بأن (التدخل الديني في الشؤون العامة ينبغي أن ينتهي) (2) وجاء الإعلان عن هذا الاتحاد بعد الفشل الذي لقيته مطالب اتحاد العمل النسائي بخصوص المدونة، إذ لم تكن التعديلات التي أجريت عليها سنة 1993م إلا إجرائية لا تمس جوهر البنود الأصلية.
-    "ربيع الكرامة من أجل تشريع جنائي يحمي النساء من التمييز والعنف" والذي عقد جمعه العام سنة 2014م وكان جوهر أهدافه الدعوة إلى إصلاح القانون الجنائي، الذي يكرس التمييز بين المرأة على أساس النوع. وقد ضم هذا الائتلاف 22 مؤسسة نسائية.
ثانيا: الاتجاه الإسلامي في الحركة النسائية بالمغرب.
ويتمثل في مؤسسات وجمعيات نسائية، تمثل كافة التيارات الإسلامية الفاعلة في المغرب، وكذلك الأحزاب و الاتجاهات المحافظة التي لا تتجاوز الثوابت الدينية المطلقة في مطالبها، سواء من الأحزاب أو الحركات، وتشمل الجمعيات المنضوية تحت حزب العدالة والتمنية، وحركة التوحيد والإصلاح، وجماعة العدل والإحسان، وحزب النهضة (الجديد) والاتجاه السلفي وأحزاب أخرى.
 وبحكم اكتساحه المبكر للعمل الحزبي والنقابي والجمعوي، يحظى حزب العدالة والتنمية بنصيب الأسد في العمل النسائي، والتمركز في قلب معادلة الصراع في الحركة النسائية المغربية، ولذلك اتجه إلى العمل التنسيقي متجاوزا العمل الجمعوي النسائي المنفرد، فأسست نساء العدالة والتنمية منظمة "نساء العدالة والتنمية" سنة 2011م للقدرة على مواجهة لوبي الجمعيات النسائية اليسارية المهيمنة على الساحة الجمعوية والسياسية.  وهناك توجه عام يسود الحركة النسائية (الإسلامية) بكل أطيافها الفكرية للائتلاف في اتحادات ضاغطة، بدأت تتشكل بالتوازي مع الائتلافات اليسارية والليبرالية.

ثالثا الاتجاه التوفيقي: أو ما يطلق عليه "اتجاه الطريق الثالث":

وهو جزء من الحركة النسائية التي تحاول الربط بين الحداثة التي تمثلها المطالب النسوية وأخلاق العولمة  والإسلام، ورائدات هذا التيار يتميزن بالتوظيف الفقهي للمقترحات والأفكار التي يطرحنها بهذا الخصوص. وما يميز هذا التيار عن التيارات العلمانية الصرفة هو أنه  يسعى إلى تسويغ بعض المفاهيم النسوية من الناحية الشرعية، تحت مظلة الاجتهاد المتفتح. فهذا الاتجاه يقر بالمرجعية الدينية، ولكن بانفتاح لدرجة إعادة النظر في أصول الفهم والاجتهاد للنصوص في مجال حقوق المرأة والأسرة وما يتعلق بهما، ومنه ما ينضوي تحت نشاط رابطة علماء المغرب، ومنه ما يمثل الاتجاه العلماني، ولا يرى حرجا في أن يوفق بين العلمانية والإسلام.
وتعتبر الأستاذة أسماء المرابط واحدة من الناشطات في هذا الاتجاه تقول: "نحن نحتاج إلى المزيد من احترام المرأة في الإسلام وتقديرها. فهذا يعني أنَّه لا بد من إعادة قراءة النصوص من جديد، ووصف التفسيرات السائدة حتى الآن بصفتها- ذكورية وأبوية"(3).
وتقول رشيدة حمّي، وهي ناشطة يسارية : "أستطيع في هذه المجموعة معايشة مختلف جوانب هويتي. أستطيع في الوقت نفسه أن أكون مسلمة، وأن أشعر بأنني حرة، وبوسعي أن أعتنق قيمًا أخلاقية عالمية، والقيم الإنسانية التي علّمنا إيّاها الإسلام، إذ إنَّ الأمر يتعلّق بقراءة القرآن من جديد"(4).
وهذه الاتجاهات المكونة للحركة النسائية (يسارية وإسلامية وتوفيقية) تتفق في كثير من المطالب الحقوقية للمرأة، ولها كلها أدوار طلائعية في تحسين وضعية المرأة، واسترجاع كثير من حقوقها المشروعة، سواء داخل الأسرة أو خارجها، لكن حين يتعلق الأمر بالمطالب التي تتجاوز الثابت الديني الذي لا يقبل الخلاف، تتباين الرؤى والبرامج بين هذه الاتجاهات، وتصبح المطالب ذاتها كالكرة في ملعب الصراع الفكري.
يتبع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات:
(1) الكتاب نشره مركز الجزيرة للدراسات، والدار العربية للعلوم.
(2) صحيفة التجديد العدد  -658  الصفحة 2.
(3) مقالة: الحركة النسوية الإسلامية في المغرب  لـ "مارتينا صبرا -موقع إسلام مغربي :  http://cutt.us/xFMc
(4) المصدر نفسه.

Leave a Reply

Subscribe to Posts | Subscribe to Comments

- Copyright © FBscriptEngine - Skyblue - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -